الأربعاء، 1 مايو 2013

لا سني ولا شيعي! (2-2)


بغداد

وكالات


suhelsaminaderبعد الشهور المباشرة للاحتلال ، كنت أسمح لنفسي بالغضب ، ومقاومة الغرائز القوية للصحفيين الغربيين في سؤالهم عن انتماءاتنا الطائفية . كان من السخف بالطبع أن أسألهم لمجرد المناكدة إن كانوا بروتستانت او كاثوليك ، فهذا لا يعني عندهم شيئا . لكن نحن الذين علقنا بالتاريخ ، يستطيع اي طائفي بائس لا يفهم شيئا أن يسحب معارك حدثت قبل اكثر من الف سنة الى الحاضر ويجعلنا شركاء فيها ، نظير ذلك الغربي الذي يحب ان يتفوق علينا بوصفنا من المتحجرات التاريخية- العضوية. إن المتنورين العراقيين والعرب بين كلبين شرسين!

لقد باتت كلمتي (الشيعة) و (السنة) من كثر الاستخدام السيء من قبل قوى داخلية وخارجية تشيران على نحو ما الى حقلين ثقافيين متباعدين ، وينجزان سياستين مختلفتين . لقد أصابني هذا باليأس ، وبت كثيرا ما أكتفي بدمدمة حزينة أو ابتسامة بلهاء حين أسأل عن انتمائي الطائفي .

قبل الاحتلال لم توجد علاقة بين التفكير السياسي والانتماء الطائفي في العراق الا في اوساط معينة . حتى بوجود مرجعية دينية شيعية تحظى بمركزية عالية ، وبهيمنة الطائفة السنية على الدولة طويلا ، لم يطوّر الشيعة يوتوبيا سياسية ، ولا السنة طوروا آديولوجية قائمة على التبرير والدفاع عن النظام . والحال أن الإثنين خضعا لبيئة تنتج مشاكل سياسية لا تحل ، كما أن الإثنين نتاجان من نتائج التاريخ الاجتماعي السياسي للاسلام ، ومن ملابسات نشوء الدولة العراقية وارتباطها بالاستعمار البريطاني . إن الفقر السياسي والثقافي في العراق مؤكد أكثر ، بموازاة الضعف الخطير للتنمية ، وقد اختلطت هذه الحقائق دائما مع القمع والاستبداد والديماغوجية ما حدّ دائما من تطور الأفكار ووضوحها ووضوح أصلها الاجتماعي.بعد سقوط الدولة وهيمنة الخوف عاد الناس الى مراجعهم الاولية ، اي الى الطوائف والعشائر والمناطق ، فبدا معها أن التاريخ السياسي الحديث تبدد.  

لم تطرح قضايا التمثيل السياسي على اساس طائفي الا في الخارج لتعود مع العائدين والمتفاوضين. لقد تعاملت الادارة الأمريكية مع المعارضين لنظام صدام كممثلي طوائف وقوميات وليس على اساس سياسي واجتماعي . بعد سقوط النظام دفعت هذا الاتجاه بقوة ، متجسدا في تشكيلة مجلس الحكم المؤقت.

لقد صعّد واقع الحال الطائفي الى مستوى الحقيقة السياسية غير القابلة للنقاش ، ما جعل أي وصف سياسي يعاد تأويله لمصلحة الكتلة التاريخية الطائفية . إن مشاكل الديمقراطيين العلمانيين تنبع من هذا العنف في استخدام الكلمات والرد الى الطوائف بقوة تنعدم فيه الفروق ، ومن المحاولات الخجولة وغير الناجحة للالتفاف عليهما.

نعم هناك مشكلة طائفية في العراق حقاً ، لكن الاحتلال الامريكي فعّلها وسيسها ، وباتت الحلول تؤخذ من الوسط الديني الطائفي ، عابرة دلالة (واقع الحال) الاعتيادية الى صيغة طائفية في العمل السياسي . وكان الاسراع في الانتخابات وكتابة دستور قد سيّس الطوائف وطيّف السياسة في ظروف انعدام الدولة. باتت السياسة نفسها تسهم في إخفاء مراجع الافكار والاقتراحات ، أي أنها باتت أداة تغطية ونفاق لا أداة كشف وتحليل ومناضلة تتصف بالوضوح. الاكثر من هذا أن الطائفيين من الجهتين باتوا اكثر ذكاء وسياسية وبإمكانهم تبادل المنافع على حساب المجتمع ، وتوتير الحياة السياسية حسب مصالحهم المتخفية خلف الدستور تارة ، وخلف الحفاظ على السلم الاهلي تارة. إن النفاق السياسي بات يمارس على المكشوف.

كانت أحد مشاكلي - بوصفي صحفيا - في تناولي الأخبار التي تأتيني من وكالات الانباء الغربية هي كيف أعرّي بعض الأوصاف المستخدمة من العنف والرد المتوفر فيها . فعلى سبيل المثال كانت وكالة أنباء اجنبية بعد 9 نيسان 2003 ترد الأحداث وأسماء الاعلام والمدن والتيارات العراقية كلها الى الطوائف ، وما يثير الاستغراب أنها في جملة واحدة كانت تنقلنا من مدينة الصدر "الشيعية" الى الرمادي "السنية" الى "المثلث السني" في شمالي بابل. لم اعرف حقا إن كان هذا الأسلوب تعتمده هذه الوكالة في العراق عن سياسة واعية ، أم أنه من اختراع زملاء عراقيين يعملون في مكتبها في العراق. أيا كان الأمر فنزعة التكيف لواقع الحال هو أمر عادي في تقاليد الصحافة الغربية ومن يقلدها في الوطن العربي . بيد أن هذه هي النزعة الوحيدة التي يحترمها الرجعيون والطائفيون من عروض (الاعلام الحر) ، أما الباقي ، وهو الأهم ، أي قيم الحرية والديمقراطية والعلمانية ، فهي عندهم مجرد أفكار غربية مستوردة او صهيونية او لا أدري اي مرض مرعب يعاقب عليها بالذبح أوالسجن أوالاغتيال أو التشهير.

الان باتت السياسة تنتج الطائفية ، وتعيد تشكيل الطائفيين سياسيا ، وتقوي عندهم نزعة التحايل واستخدام المال العام . ومثلما تطيّفت السياسة ، تطيّفت هي الاخرى المصالح الاقتصادية وحركة المال والسيطرة على الاسواق والسعي الى الهيمنة بوسائل الضغط الاقتصادي . بموازاة ذلك مدت الطائفية تأثيرها الى عشائر كانت الى فترة قليلة ماضية تفكر بمصالحها بوصفها جماعة اجتماعية وليس جزءا من طائفة دينية.

ما لم يتم اصلاح سياسي على اسس وطنية مدنية ، ويجري عزل الطائفيين ومعاقبتهم ، فإن النظام السياسي الحالي سيدفع الى التحول لكي يصبح نظاما قائما على اسس طائفية ، ما يوصلنا الى انقسام مجتمعي قائم على العنف والتفاهة السياسية والانحطاط الاخلاقي.

الحل الحقيقي هو اقامة دولة القانون والمواطنة ، وتحرير الدين من السياسة وتحرير السياسة من الدين .     


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق